الجو شديد الحرارة، والمراوح القديمة تصدر صوتاً أشبه بزئير الأسد الذي يعاني من مغص دون أن يخرج عنها هواء، عدد كبير من السيدات المتراصّات على الكراسي والواقفات في الممر متلاصقات، وقد اقترب المترو من الوصول إلى محطته الأخيرة، يبدأ الهواء في التسلل إلى المكان مرة أخرى، وتعود فضيلة الحديث والودودة من جديد بين زبائن العربة:
مدام "سلوى": سمعتي عن قانون الطفل الجديد ده؟.. ده بيقولوا فيه كوارث وكمان ضد الدين؟
مدام "نهى": أيوه سمعت.. هم كده أصلهم ما بيجيش من وراهم إلا كل خير!!.. مالهم هم ومال الطفل؟ مش لما يشوفوا حال الكبار الأول؟
مدام "نهاد": إنتم عارفين القانون بينص على إيه؟ أهم حاجة فيه إنه هيرفع سن الجواز عند البنات من 16 سنة لـ 18 سنة.. ودي مصيبة طبعا ده إحنا ما بنصدق نجوز البنات بدري بدري يقوموا هما يأخروهم؟
مدام "سلوى": طبعاً.. ده الجواز سترة للبنت من دول، أحسن ما تقع في سكة واحد من العيال الملاعين بتوع اليومين دول.
مدام "نهى": مش عارفة والله الواحد يلاقيها منين ولا منين.. طب ما هي أمي ولاّ أمك يعني اتجوزوا وعندهم كام سنة؟! بتاع 15 سنة وأدينا أهو زي الفل... حِكَم!
*****
قرية مصرية- الساعة 9 بالليل
يقترب الأب من ابنته الصغرى التي لا يزيد عمرها عن 13 سنة، قبل أن يربت عليها في حنان وهو يقول:
شدي حيلك يا بنتي.. اليوم يومك
تبتسم الابنة ثم تقول له:
ولا يهمك ياحاج.. عارفة.. وفاهمة إنه ده يومي
يشيح الأب بوجهه عنها قبل أن يقول لها:
الفرح هيخلص كمان نُص ساعة وهتطلعي مع عريسك علطول على المطار.. هتبعدي عننا كتير يا حبيبتي.. خلي بالك من جوزك في الغربة.. صحيح أنت رايحة بلده.. وإننا كلنا بلاد عربية.. بس أنت برضه هتكوني في غربة.. وابقى خلي بالك من مراته الأولانية.. يعني سألْت عرفت إنها شرّانية شوية..
تبتسم الابنة في هدوء به مسحة حزن ثم تجيب:
ما تخافش عليّ.. المهم أنت خدت منه المهر اللي اتفقنا عليه.. تمام؟
يومئ الأب برأسه في انكسار ثم يحتضن ابنته في قوة، ويغلق خلفه الباب، وتسمع الزغاريد مدوية في الخارج.
***
نفس القرية المصرية بعد خمس سنوات وبرضه الساعة 9 بالليل
الابنة / الزوجة تحمل على كتفيها طفلتين صغيرتين، تقترب من منزل والدها والدموع متحجرة في عيونها، تطرق الباب في وهن، يفتح لها الأب مجزوعا وهو يتساءل:
خير يا بنتي؟!.. جاية لوحدك ليه؟! مش قلتي جاية مع جوزك من برة؟!!
ترتمي الابنة على أول مقعد يقابلها وهي تقول والدموع تقفز من عيونها:
جوزي؟ ما طلقني خلاص.. وقال لي: ارجعي بلدك زي ما جيتي.. وما تنسيش تاخدي عيالك معاك.. أديني رجعت أهو.. أخبار فلوس المهر إيه يا بابا؟!
*****
سيبك بقى من زحمة المترو، ومن المشهد اللي فات ده، واللي ممكن يخلي حد يفكر إنه مشهد في فيلم عربي قديم مع إنه أصلى مِية في المية ومش خيالي..
وتعالَ نتناقش مع بعضنا بهدوء؛ لأن الموضوع زي ما حضرتك شايف حسّاس جداً.. خصوصاً في جزئية سن زواج الفتيات دي..
لأن الموضوع دخل فيه رجال الدين.. اللي كتير منهم رافض تماماً فكرة تحديد سن زواج البنات عند 18 سنة كحدٍّ أدنى.. بمعنى أنها لو اتجوزت قبل السن ده الموضوع بيتحول لجريمة يجب معاقبة المشتركين فيها واللي غالبا بيكون الأب والزوج.
وأنصار الفريق ده بيستشهدوا بزواج السيدة عائشة رضي الله عنها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي عمرها 9 سنوات فقط.. وبيقولوا إن الزواج المبكر للسيدة عائشة رضي الله عنها أكبر دليل على أنه لا يجب أن يوضع حد أدنى لسن الزواج للمرأة بل أنه ربما يكون دافعاً ومحفزاً على الزواج المبكّر الذي يحمي من الانحراف..
أنصار هذا الفريق.. ومنهم د. "سعاد صالح" الأستاذة بجامعة الأزهر والداعية المعروفة ومعها د. "عبد الفتاح الشيخ" عضو مجمع البحوث الإسلامية يعتقدون بأن تحديد سن معنية لزواج الفتيات قد يحرمها من الزواج في سن مبكرة من الشاب المناسب لها، وأن الأصل في الأشياء هو الإباحة وليس التحريم والتجريم، وأن أي خروج عن القواعد أو استخدام البعض لرخصة الزواج المبكر بشكل سيئ هو أمر لا يجوز على أساسه تجريم الزواج المبكر..
لكن هذا كلام لم يعجب أنصار الفريق الآخر.. ومنهم د. "هدى رشاد" أستاذ علم الاجتماع، والكاتب الصحفي "صلاح منتصر" الذي يقف وراء رفع السن القانوني لزواج الفتيات.. ودول رأيهم مبني على أساس أن ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها لا يصلح بالضرورة للتعميم في الوقت الحالي مع اختلاف الظروف.. وأن الزواج المبكر يؤثر على حياة البنت الصغيرة خاصة إذا ما حملت وأنجبت بعد الزواج مباشرة.. بل إن هذا يؤثر على تكوين الطفل..
ويرون أن القانون جاء لتحسين النسل وليس لتحديد النسل.. لأنه يسعى لأن يكون الأطفال المولدون أصحاء، وفي حالة جيدة.. بل إن هناك بعض من أنصار هذا الفريق يعتقدون بأن سن زواج الفتيات يجب أن يرتفع ليصل إلى 20 سنة وليس 18 فقط؛ لأن القانون الجديد يتعامل مع من يصلون إلى سن 18 سنة باعتبارهم أطفالا والموافقة على زواجهم وهم في هذه السن "18 سنة" يعني أن القانون يوافق على زواج الأطفال.. ودول شايفين إن المشروع يمكن يقلّل من ظاهرة زواج البنات المصريات الصغيرات من الأثرياء العرب في مقابل الفلوس.. يمكن..
يعني زي ما أنت شايف..
الموضوع فيه اشتباك كبير
مع الدين والمجتمع والعادات والتقاليد والأفكار..
وده موضوع لازم تقول فيه رأيك..
حتى لو ماكنتش بنت ولا عمرك 18 سنة!
شايف إن القانون ده لصالح
البنات والمجتمع بشكل عام؟
ولاّ شايف إنه ضد البنات والمجتمع
وإن نتائجه هتكون سلبية جداً؟
شايف إن سن زواج البنات لازم يطلع فوق 18 سنة؟
ولا ينزل تحته بكتير؟
ولاّ ما حدش يقدر يحدده، وكل حد وليه ظروفه الخاصة؟
ما تورينا الهمة يالاّ واكتب
موضوع: جواز البنات ياترى فوق ولا تحت..... 
الخميس مايو 01, 2008 3:34 pm
